عندما يتوقف المصعد وتختنق اللحظة هادي جلو مرعي

عندما يتوقف المصعد وتختنق اللحظة

هادي جلو مرعي

تعطّل المصعد في منتصف المسافة، وساد ظلام دامس كأن المدينة انطفأت في تلك اللحظة. همس الصمت بكل الخوف الذي يسكن العيون، وتجمّدت الأنفاس بانتظار عودة الحياة إلى الحديد الجامد. لا صوت سوى نبضٍ متسارع، ولا ضوء سوى بصيص أملٍ يتدلّى من لوحة التحكم التي فقدت إشارتها.

في تلك الثواني، لم يكن الظلام وحده مخيفًا، بل العجز الذي يجعل الإنسان صغيرًا أمام قدرٍ لا يُرى. لحظة قصيرة لكنها حملت في طياتها الكثير من الصور القديمة، وأيقظت في الذاكرة مشهدًا لا يُنسى: يوم جتمع الناس في المصعد ذاته، لا طلبًا للعلو، بل هربًا من لهيب النيران التي كانت تلتهم المكان.
حينها كانت الصرخات أعلى من صفير النار، وكانت الأبواب المغلقة أشد قسوة من الدخان الذي خنق الهواء. أرادوا النجاة، لكن الحديد خانهم، والمصعد الذي وُجد للإنقاذ تحوّل إلى فخٍّ من نار.

تذكّرتهم وأنا محاصر بين الطوابق، شعرت بأن الظلام الذي يحيطني ليس إلا نسخة هادئة من جحيمهم، وأننا جميعًا في لحظة ما نصبح أسرى بين جدران لا تفتح إلا بإرادة الله. كم هو هشّ هذا العالم الذي نحيا فيه، وكم نحن بحاجة إلى ضوءٍ لا ينقطع، ضوء الإيمان الذي يرافقنا حين تنطفئ الكهرباء وتنغلق الأبواب.

وعندما عاد المصعد إلى الحركة أخيرًا، تنفّس الجميع الصعداء، لكني أدركت أن النجاة الحقيقية ليست في الوصول إلى الطابق الأعلى، بل في النجاة من الخوف الذي يسكننا عندما تتوقف الحياة للحظة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *