أنا أحبك
هادي جلو مرعي
أحبك أكثر من روحي، وأتوق إليك توق عاشق يحلم بلقاء يدوم ولاينقطع فأين أنت ؟ أوهم نفسي بالأسئلة، وأنا أعرف إنك قريب مني، تسمع أنيني حين أبكي مفتقدا السعادة، وتعدني بمثلها في يوم جديد.
أحبك، أيها الجميل، ياصاحب الضياء الأثير، أحبك بحجم يتمي حين دخلت دائرة الحياة وحيدا، وحين علمت بأن النبي الذي قادني الى النور ولد يتيما، ياالله كم سرني ذلك بقدر ماأحزنني وأنا أقرأ في سيرة الطفل اليتيم الذي ينظر في وجه آمنة، ولايرضى بثدي، منتظرا ثدي حليمة لترضعه النور بعد أن جف ثدي أمه النورانية، وحين جاءتك حليمة أسرعت أليك بدموعها، وأسرعت أنت بوحي الله إليها لتكون في حضنها، وحين ماتت أمك وأنت في سنينك الأولى، وقد تعلمت التأمل الصريح في البرية البعيدة، والنظر في السماء الملئى بالنجوم والكواكب والأقمار والأسفار تحولت الى إرادة وعقيدة وقرار من الله، ليعلنك نبيا للبشرية بأجمعها، أبى من أبى، ورضي من رضي.
يتمك يامحمد مايزال يلاحقني، وكلما نطقوا بإسمك بكيت بهدوء وخشوع، تهتز روحي فأنا لاأجد خيرا منك مثالا عظيما لي وللجميع، وأعرف إن دينك سيسود الأرض، وإن الرافضين لك سيتيهون في الضياع فهم أشبه ببقايا طعام متعفن سرعان مايرمى في القمامة، ويظل دينك نقيا، يستهوي القلوب لتتأكد إرادة الرب بتتويجك سيدا وهاديا وناصحا، بينما يتدفق البشر مثل ماء ينساب الى مستقره راغبين بلحظات الإيمان العميق الصالح، ولتكون الهداية حقيقية وكاملة وراسخة.
في يوم مولدك الزاكي، وفي يوم هجرتك النقية، وفي يوم رحيلك تتسابق دموعي وكلماتي، فلاأعرف أيهما أسبق ليعانق لوحة الكتابة في زمن قصي عن زمنك الأول، يوم كنت موغلا في حب مكة طفلا يجوب الأحياء الفقيرة، ويرى فقراء مدينته والعبيد والجياع والصغيرات المؤودات في لحود صحراء قريبة من مكة حيث يطوف الناس حول الكعبة العتيقة التي كانت على موعد مع ثورة تقودها أنت، متحديا اليتم والفقر والجبروت والأصنام ورمال البادية والجفاف الذي ضرب الأرض والجبل والنفوس والضمائر، وأعلنت الحرية.. تلك الحرية التي التي تمددت وإتسعت وإنتقلت مع العصور والأزمنة المترامية، وسارت على جنبات الطرق القصية، وبمحاذاة البحار والشطآن، وحلقت مع أسراب الحمام المهاجر، وصالت وجالت فوق الجبال، ومع السحب حتى وصلتنا، وستصل الى من يأتي من بعدنا في وقت ليس ببعيد.
تحطمت أوثان الجاهلية، ومات الأباطرة والسلاطين والطغاة، وتناسى الناس الديانات، وهزمت أفكار التكفير والتطرف، وغاب في الظلام كل الشياطين، وهرب الضلال، ولكنك تكبر فينا، ويمتد نورك ليحيط بأرواحنا وعقولنا، ويتوغل في غياهب الضمير لينير فيه الحياة.