إنتهت اللعبة
هادي جلو مرعي
يتساءل الرجل الكبير عن سر بكاء الوليد، بينما يبتهج كل من حوله حتى الأم التي كانت تعاني آلام الوضع، في حين تجده يبتسم ربما وهو يغادر الحياة، بينما يبكي كل من حوله..صراخ الوليد حين مجيئه للدنيا، وإبتسامته وهو يغادرها يبعث على تساؤل حزين، وربما كان للبعض دور في تفسير ذلك، هل يبكي لأنه يجيء الى عالم مليء بالغرابة والخوف والمجهول، وهل يبتسم حين يحتضر لأنه يرى عالما مختلفا فيه الكثير من الأهل والأحبة الذين سبقوه إليه، وكثير من الراحة الأبدية والرحمة؟ ربما…
كلما رحل شخص تعرفه، أو لك معه ذكريات طيبة، أو كان رؤوفا بك رحيما لم تجد منه سوءا فإن شيئا من رغبتك بالحياة يتلاشى، فإذا مرت السنوات ومات آخرون وبقيت لوحدك تتعامل مع غرباء، أو طارئين ينتابك الحزن، ويتواصل إنتزاع الرغبة كما ينتزع الموت منك الروح، ورسائل السماء لاعد لها ولاحد، وكلها موجهة إليك، وأنت تجيد قراءتها، فهي تنزل مكتوبة بالروسية والعربية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية والفارسية والتركية، وبكل لغة حية ومندثرة، ويمكن للعميان أن يقرأوها بطريقة ما، فهي تنزل وفقا لبرنامج حديث متطور متجدد موضوع قبل ملايين السنين، وصالح لملايين منها مقبلة، وهو برنامج لايحتاج الى تحديث كما هو الحال مع البرامج الألكترونية، وقواعد البيانات التي تحتاج من حين الى آخر الى المزيد من التحديث والتطوير، وإضافة المزيد من البيانات والمعلومات، وتحفيز للذاكرة..
يبحثون عن الأموال في كل زاوية، يتقاتلون يتآمرون،يبيعون شرفهم، يقدمون التنازلات من أجل الرخيص من المكاسب، من أجل منصب وضيع، أو رفيع، يقدمون فروض الطاعة، ويوقعون على تعهدات، ينهبون الأموال، يزيدون من عدد الفقراء والمحرمين، بينما تتكاثر لديهم المكاسب، ثم يموتون ويقبرون ويتركونها للأولاد والنساء واللصوص والمحتالين، وينفقون منها على المبتزين الذين يشترون السيارات المدرعة والبيوت والشقق، أو ينفقونها على العاهرات وبنات الليل على قاعدة شاف ماشاف!!
سألت أحدهم دون أنتظر منه جواب: هل تستطيع أن تضع حذائين في قدميك، أم هو حذاء واحد من فردتين، أو تضع جوربين زيادة فوق الجوربين في قدميك، وهل تستطيع أن تلبس أكثر من سترة، وأكثر من بنطلون في آن واحد، بل هل تستطيع أن تأكل من الطعام فوق حاجتك؟ وتشرب من الماء مايروي أكثر من عطشك؟.
يلهث الإنسان، ولكنه يجري في سباق مسافات طويلة نحو نهاية بائسة مشابهة لنهايات كثيرة لبشر آخرين إختاروا الدنيا بكل مافيها من سوء، وتجاهلوا المصير، بينما تمضي الأيام، وتضعف أبدانهم، وتتلاشى قدرتهم على السير والجلوس براحة، ويؤلمهم القليل من الوجع، ولاتقوى أعينهم على النظر كما كانت قبل سنوات، وتنهار لديهم الذاكرة، ويعانون من الأمراض، وقد يعيش على قاعدة خذوا كل ماأملك، وإشفوني من عللي تلك دون أن يجد من يستجيب لعذاباته، فقد فات الأوان، وإنتهت اللعبة.